قبل قليل أعلنت السلطات الأردنية أنها أسقطت طائرة مسيرة قادمة من سوريا إلى المملكة الأردنية عبر الحدود بين البلدين. ولم يتم إعلان إذا كانت محمَّلة بالمتفجرات أو بالمخدرات، ولكن هذه ليست المرة الأولى التي يقوم حرس الحدود الأردني بإسقاط طائرات قادمة من سوريا، فهذه هي المرة الثالثة؛ حيث سبق أن تم إسقاط طائرات مسيرة محمَّلة بمتفجرات ومادة الكبتاغون المخدر. الحدود السورية تحولت إلى مثار قلق لدول المنطقة برمتها، وقد حاولت الدول العربية دفع الحكومة السورية إلى ضبط تلك الحدود، ولكن الشهور الماضية أظهرت أنها غير قادرة، وربما غير راغبة، كما أشار عدد من المسؤولين العرب. الطريق المباشر لمرور المخدرات إلى دول الخليج العربي يتم عبر الحدود الأردنية ـ السورية، وحرس الحدود الأردني يخوض حرباً حقيقية في مواجهة الجريمة المنظمة، خصوصاً تلك التي تقودها من الخلف ميليشيات حزب الله والميليشيات المتحالفة معه. ومع ذلك فإن تلك الحدود ليست الطريقة الوحيدة لتهريب المخدرات، بل إن الحدود السورية ـ العراقية الواقعة ما بين قاعدة التنف الأمريكية ومعبر البوكمال أكثر خطورة بكثير، لأن هذه الحدود التهريب يتم من الطرفين؛ فعبرها يتم نقل السلاح والرجال إلى الميليشيات الشيعية التي تسيطر على غرب الفرات، من جهة أخرى يتم تهريب الكبتاغون من منطقة الشامية إلى صحراء الأنبار، ومنها يتم إدخال المخدرات إلى دول الخليج أو إلى الأردن. قبل الأزمة السورية كان حرس الحدود السوري يقوم بدور لوقف التهريب حتى إن كان محدوداً، ولكن بعد الحرب تمَّ حل حرس الحدود وأصبح وجوده شكلياً. أما الحدود السورية ـ اللبنانية فهي -عملياً- غير موجودة سوى في التعامل مع المواطنين البسطاء، أما بالنسبة لشبكات الجريمة المنظمة والميليشيات فيتم تهريب أي شيء وكل شيء. حتى مناطق التماس مع مناطق النفوذ الأجنبي غير آمنة من حيث تهريب المخدرات، فعلى سبيل المثال يتم تهريب المخدرات عبر نهر الفرات إلى منطقة الجزيرة التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ومنها إلى تركيا، وبالفعل فإن شحنات الكبتاغون بدأت بالوصول إلى أوروبا عبر تركيا. الكبتاغون يصل إلى تركيا أيضاً عن طريق خط التماس الفاصل ما بين مناطق سيطرة الحكومة السورية ومناطق سيطرة جبهة النصرة (القاعدة) ومنها إلى تركيا فالدول الأوروبية وربما حتى مناطق أخرى أبعد مثل الولايات المتحدة. ثم منطقة الساحل السوري حيث يتم التهريب سواء السلاح أو المخدرات عبر الموانئ الرسمية، ويتم اتباع خطوط نقل معقدة؛ حيث تنتقل الشحنات إلى أكثر من ميناء حتى تصل وجهتها الأخيرة سواء في دول الخليج أو أوروبا، وهي طرق معقدة وتقف وراءها منظمات إجرامية لها فروع في عدد كبير من الدول، كما تحوي مناطق الساحل عدداً من الموانئ غير الرسمية التي تسيطر عليها شخصيات نافذة تقوم بنقل الشحنات بشكل مباشر وغير رسمي. لذلك تبدو عملية مكافحة تهريب الكبتاغون كالتعامل مع إناء مثقوب بعشرات الثقوب كلما تم سدّ ثقب انفتحت عشرات الثقوب الأخرى. لن تستطيع أي دولة مهما بلغت قوتها التعامل مع الوضع الكارثي، فقد ازدادت تجارة المخدرات بشكل كبير خلال الأسابيع الماضية؛ لذلك لا بد من التعاون الإقليمي والدولي وإيقاف النبع قبل إغلاق الفروع. للمفارقة أن الحدود الوحيدة الآمنة هي الحدود بين سوريا وهضبة الجولان المحتلة (إسرائيل).